الأربعاء، 23 فبراير 2011

الاسئلة الصعبة امام القيادة المنتخبة


الاسئلة الصعبة امام القيادة المنتخبة
بروفسير مصطفى إدريس
الحلقة الخامسة: 1- السؤال الخامس كيف يمكننا إصلاح الخدمة المدنية التي دُمرت تماماً وعلى فترات متعاقبة منذ ثورة اكتوبر التي غنى لها وردي (هتف الشعب من أعماقه... التطهير واجب وطني)، وجاءت مايو لتمضي في التطهير الذي توجناه نحن بالتعقيم الوطني (الصالح العام)، فقد سألت الأخ مجذوب الخليفة عليه رحمة الله ورضوانه عام 1991 وأنا عائد من السويد عن أكبر المخاطر التي تواجه الإنقاذ، فعدد لي انهيار الخدمة المدنية في أولها رغم أننا كنا نخوض حرباً ضروساً في الجنوب وبدأنا نواجه حصاراً عالمياً واقليمياً وقتها، فالخدمة المدنية اليوم هي في أسوأ حالاتها من الانحطاط والرداءة، ولو أعلم مصطلحات أسوأ من هذه لوصفتها بها. فلماذا كل هذا الانحطاط ونحن شعب كريم ولنا إرث في التكافل والنفير وخدمة المجتمع طوعاً؟ ومن أسباب انحطاط الخدمة المدنية بجانب ما ذكرت آنفاً هو تسييسها خلال الحقب المذكورة أعلاه، والذي جعل اهل الولاء السياسي هم السادة وإن صغرت مراتبهم الوظيفية، وهم أهل الحظوة في المغانم من مركوب وتفرغ وتهرب من العمل ومخصصات متعددة لا تأتي عبر الشباك العام للصرف في المؤسسة المعنية، فحدثت فوارق طبقية بين العاملين في ذات الموقع في الملبس والمأكل والمسكن والمركوب، وتسبب ذلك في الحقد والسخط وعدم المبالاة بالمسؤولية، وكذلك من أسباب الانحطاط تدني الأجور التي أصبحت لا تفي بالحد الأدنى من متطلبات الحياة في ظل التضخم الذي لم يسبق له مثيل، فبدأ العاملون في ابتكار الوسائل التي يزيدون بها دخلهم عبر النظام الرسمي، فكانت الحوافز والمكافآت والتي تطورت وأصبحت تتم بالتحايل على اللوائح المنظمة للتصرف في المال العام، ثم أصبحت فيما بعد حقاً مكتسباً لابد منه وبصورة يومية على كل تكليف يقوم به العامل أو الموظف في موقع عمله الذي عين في الوظيفة لأجله، وتطورت كماً وكيفاً حتى فاقت الراتب الشهري الذي يتقاضاه العامل أو الموظف عدة مرات لبعض الموظفين القريبين من خازن المال أو صاحب القرار الأعلى، وأفرز ذلك أوضاعاً اجتماعية جديدة على مستوى الأسرة من مأكل ومسكن وأثاث، وأصبح لزاماً المحافظة على هذا المستوى من الحياة عند البعض، واضطر الآخرون للبحث عن سبل جديدة لزيادة الدخل للحاق بالركب والدخول في المنافسة مع السابقين، فكان الغش والسرقة والاختلاس والرشوة وتزوير المستندات، أقول ذلك من تجربة عملية أجابهها الآن وقد ابتليت بإدارة أكبر وأعرق مؤسسة تعليمية في البلاد، وقد غصت عميقاً في مشكلاتها التأريخية والتي أقعدتها عن سرعة التطور والمواكبة، ووجدت أول هذه العوائق فساد الخدمة المدنية وعندي عدد كبير من الملفات الساخنة في هذا الباب من عدد من المواقع في وحدات الجامعة المتعددة في هياكلها ووظائفها. ومن أسباب الانحطاط أيضاً هجرة الكوادر المقتدرة في سبعينيات القرن الماضي وانقطاع التجربة وفقدان الكوادر المدربة في كافة المجالات، ومن أسباب فساد الخدمة أيضاً غياب الوصف الوظيفي والتعيينات التي تتم للمجاملة دون خبرة أو حاجة، ولدينا في جامعة الخرطوم تراكمات واسعة من هذا النوع عبر السنين، تكاد تشل حركة الجامعة وتقعد بها عن رسالتها. ومن أكبر الأسباب التي أعاقت الخدمة المدنية في الدولة غياب المحاسبة أو ضعفها، وكذلك تصدي النقابات للدفاع عن العاملين بغير حق في كثير من الأحيان، ولا يقومون بأي دور يذكر في توعية العامل بواجباته. وليست هذه الصورة التي رسمتها مقصورة على مواقع بعينها بل هي داء عام أيها المسؤولون في كل موقع من أعلى أعلى أعلى القمة الى زريبة المواشي في سوق أبو زيد، واسألوا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون. ولإصلاح الخدمة المدنية المطلوب أولاً ادراك حجم أهمية الخدمة المدنية، حجم الدمار الذي حل بها وخطورة ذلك على النهضة في البلد، فالخدمة المدنية مثلها كمثل الدم الذي يجري في الأوعية الدموية وينقل الغذاء والهواء للأنسجة في الجسم كله، وبدونه لا تستمر الحياة وتحدث الوفاة بعد كل نزيف شديد للدم. وأول خطوة في سبيل الاصلاح هي زيادة المرتبات بما يفي بالحد الأدنى من متطلبات الحياة الشريفة والمزيد من التدريب والتأهيل، وتحديد الوصف الوظيفي، ووقف التعيين بالمجاملة، واستخدام التقنيات الحديثة التي تغني كثيراً عن العمل اليدوي متعدد الخطوات وتزيد سرعة الأداء، وكذلك ايضاً المزيد من الخصخصة وتشجيع القطاع الخاص لإقامة المزيد من المشاريع التي تستوعب القوى العاملة، وشراء الخدمات من المؤسسات الخاصة، فالعاملون في الدولة يأخذون سبعة مليارات بالجديد من جملة الميزانية التي لا تزيد عن ثمانية مليارات، كما يروى عن وزير المالية. 2- السؤال السادس هل نحن مقتنعون بأننا بعد الانتخابات سندخل مرحلة جديدة في الحكم ولابد من ترتيب أوضاعنا لمواكبة الظروف الجديدة، أم أن كل ما جرى هو عمل تكتيكي لإطالة بقائنا في السلطة عبر مناورات ومبادرات موقوتة لا نصبر أن نمضي بها الى نهاية الشوط، واني لأرجو أن يكون توجهنا هذه المرة صادقاً من أجل المصلحة العامة، ولأن الأوضاع لا تحتمل التسويف والمراوغة، ولمصلحتنا نحن ايضاً في المقام الأول. فاذا اتفقنا بأننا نقبل على العهد الجديد بنية صادقة لترسيخ الحريات وتعميق الشفافية في التعامل، فإننا نحتاج لتسوية أوضاع كثير من التنظيمات والأجهزة التي قامت في فترات سابقة، وكانت تعمل بالتوازي مع المؤسسات الرسمية قبل أن نبسط سلطتنا على الأجهزة الرسمية ونعيد ترتيبها بما يتماشى مع توجهنا وفي بعض الأحيان نزاوج بينها وبين الرسمي والتنظيمي ونلبسها بلباس شعبي عام كالشرطة الشعبية والأمن الشعبي والدفاع الشعبي والوحدة الجهادية ووحدة... وهلمجرا.... وقد أدت هذه التنظيمات غرضها في وقتها ولكن بمرور الزمن تضاءل دورها لاسباب كثيرة منها تمكننا من الأجهزة الرسمية للدولة، وصار بعضها عبأ ثقيلاً على مؤسسات الدولة الرسمية ومصدراً لكثير من الازعاج والتضارب والمخالفات التي ترتكب على حساب الأجهزة الرسمية، والتي تتحمل وزرها الأجهزة الرسمية رغم أنفها، ولدينا أمثلة كثيرة على ذلك، وقد تكلفنا بعض الأخطاء التي ترتكبها هذه التنظيمات أضعافاً مضاعفة من الجهد المالي والسياسي والأمني لنحتوي آثار ما تقوم به، وقد فقد كثير منها الرعاية والرقابة المباشرة التي كانت تجدها من المسؤولين الكبار في فترات سابقة، فتسلل إليها الرويبضة واستغلوا بعضها أبشع استغلال وعندي شواهد على ذلك، وقد يكون وجودها ضرورة فيما مضى ولكن الآن ونحن نستقبل عهداً جديداً لابد من تسوية اوضاعها تماماً كما قمنا بتسوية أوضاع كثير من المؤسسات الاقتصادية وغيرها.... ذات الصفات المزدوجة بعد توقيع نيفاشا. فنحن نريد أن ندخل العهد الجديد في ظل رقابة تامة لأدائنا وكسبنا، ولابد أن نمايز بين (الكيمان) ما للحزب للحزب وما للدولة للدولة، فآمل أخي الرئيس أن تقوم بخطوات عاجلة في هذا الاتجاه اذا كنا نريد أن نمكن لهذا التوجه الديمقراطي ونتحمل المسؤولية بروح قومية صادقة، ولابد من تقوية أجهزة الدولة الرسمية من جيش وأمن وشرطة لتؤدي دورها القومي بمهنية وحيادية عالية وولاء للوطن وثوابته ومصالحه العليا، بعيداً عن التأثيرات الحزبية مهما تغير النظام الحاكم كما هو الحال عند الشعوب التي قطعت شوطاً في الرقي، ولا أريد أن أفصل في هذا الباب إلا في حدود بما يوصل لك الرسالة أيها الأخ الرئيس، ولكن هذه من الأسئلة مهمة جداً في المرحلة القادمة ولابد من عمل جاد لتسوية أوضاع تلك التنظيمات. 3- السؤال السابع ونحن ندخل في عهد جديد يقوم على الديمقراطية وبسط الحريات فكيف نعمق معاني هذه الحرية التي غابت عن شعوبنا زماناً طويلاً، وأصبحت لا تعرف منذ نعومة أظفارها إلا التسبيح بحمد الحاكم وقبول كل ما يأتي منه بأنه وحي منزل وهي توقن وتشاهد بأن من له رأي غير ذلك فمصيره الإبعاد والتهميش وقطع الأرزاق. فكيف نعمق معاني التحرر من الخوف وبث الطمأنينة باحترام الحقوق الأساسية للإنسان وبث معاني المساواة بين الناس على أساس المواطنة، وليس على أساس الانتماء السياسي أو العرقي او الديني، فالتطور والحضارة لا تبنى أخي الرئيس إلا على يد أقوام أحرار في بلد حر، فالحرية التي نريدها هي التي تؤسس نظاماً يعلي من أقدار الناس في الحياة بعيداً عن الانكسار أمام الحاجة اليومية تحت سياط الجلاد، وهي حرية تقوم على نهج السلف الصالح (ما تقولون اذا رأيتم في أمير المؤمنين اعوجاجاً؟ قالوا قومناه بالسيف). ورحم الله عمر بن الخطاب وربعي بن عامر وأخوانهم الذين شادوا لنا أمجاداً عظيمة بالفهم العميق والتطبيق العملي لمعاني الحرية والتحرر والنخوة والمروءة وتقديس الواجب رجاء في رحمة الله وثوابه. فكيف أخي الرئيس نعيد للقضاء هيبته وللقانون احترامه، فمن ملاحظاتي لتجاربنا خلال الفترة الماضية أستطيع أن أقول إنه لم تعد للقانون هيبة وضاعت وتضيع كثير من الحقوق العامة خاصة حقوق الدولة، وما زال استغلال سلطان الحزب والدولة والمنصب يستخدم على نطاق واسع من الوزير ومن المدير ومن الموظف ومن العامل ومن الطالب ومن الحرس ومن الخفير..... وأحياناً يتم بانتحال الشخصية وعندي ملفات ضخمة في هذا الباب من تجاربي في عدد من المواقع التنظيمية والتنفيذية خلال سنين الانقاذ، فلابد أن يتساوى الناس أمام القانون ويطمئن من يطالب بحقه بأنه سيجد النصير، فقد رأيت طالباً في جامعة الخرطوم يهدد عميد كليته ويتوعده بأنه سوف يفعل ويفعل به اذا لم يلبِ طلبه، لأنه من قبيلة الحاكمين، ورأيت من يبتذ النساء ويستنصر بعلاقاته المدعاة مع جهاز الأمن لينال منهن، ورأيت ورأيت......... ولأنني أعلنت في جامعة الخرطوم منذ تولي الإدارة منهج الشفافية والانتصار للحق المطلق فقد جاءتني شكاوى لا تحصى ولا تعد من أناس كانوا يتسترون على مظالمهم خوفاً من الوقوع في ما هو أكبر منها، لأنهم لا يثقون في من يرفعون له ظلامتهم بأنه سينصرهم، وقد وجدت كثيراً ممن نصبوا أنفسهم بأنهم من أهل بدر وجدتهم منافقين مردوا على النفاق وتعرفت على شنيع أفعالهم واستغلالهم لاسم السلطة والحزب.... فنحن نحتاج لجهد كبير لتعميق معاني التحرر وسيادة القانون ونزاهة القضاء.

ليست هناك تعليقات: