الأربعاء، 16 مارس 2011

ركـــن بنات وأبناء كســـلا ( خيــرا

ركـــن بنات وأبناء كســـلا ( خيــرات) (Re: Sidig Rahama Elnour)

    الحلقة 7 - 1
    Quote: سينما .. سينما (1)

    اطلق انشاء السينما بمدينة كسلا في نهاية الاربعينات , صافرة النهاية لعقود من الانغلاق , وانعدام وسائل الترفيه , و(النوم من المغرب), حيث كانت التسلية المتاحة حكايات (الزير سالم) و(عنترة) و(ابوزيد الهلالي)
    يحكيها أحد الكبار داخل المنازل بين المغرب والعشاء , يتحلق حوله الجميع يستمعون , وكانت هذه الحكايات تُحكى مسلسلة , كل يوم حلقة, حسب مزاج الراوي. ولكم أثرت خيالنا تلك الحكاوي.
    وكانت ايضاً بداية لتغيير طال كافة أوجه الحياة بالمدينة , تزامن ذلك مع بداية عمل (شركة النور) _ الهيئة القومية للكهرباء حاليا_ وانشاء المجلس البلدي , وما تبع ذلك من إنارة للشوارع والمحلات وبعض المنازل , واصبحت المدينة التي كانت تنام بعد مغيب الشمس , وتخلو شوارعها تماما بعد العشاء, تموج بالحركة مقاهيها ومطاعمها وشوارعها حتى مابعد العاشرة ليلا, حتى الذين لا يرتادون دار السينما , كانت المقاهي والمطاعم ملاذهم لسهرة بريئة , انتظارا لخروج رواد السينما.(سينما اسلام) كما درج الناس على تسميتها نسبة لمديرها وابن مالكها (اسلام السيوفي).
    وكانت ايضاً مصدر رزق لشريحة من السكان عملوا بها فى مهن مختلفة , بيع التذاكر , حراسة الابواب, الدعاية, تقديم المشروبات داخل صالة العرض, استلام التذاكر عند بوابات الدخول , وآخرون نصبوا طبليات التسالي والطعمية امام الدار , وأولئك الذين يحرسون الدراجات .

    تصميمها الخارجي ظل كما هو تقريبا حتى ازالتها , اما من الداخل فقد تمت عدة تعديلات من أهمها (الشاشة) ,إذ أن الشاشة في البداية كانت عبارة عن قطعة قماش سميك ابيض اللون , مقاساتها(5×5) تقريبا , مشدودة على عمودين من الحديد على مسطبة من الطوب ارتفاعها متر ونصف , الافلام (ابيض واسود) , ثم تعدلت بنفس مقاساتها وبنيت بالطوب والاسمنت , لأن شاشة القماش كانت عرضة للتمزيق من قبل الجمهور احيانا ,إن لم يعجبهم الفيلم , أو بفعل الرياح , بعد ظهور اسلوب العرض(سينما اسكوب) والافلام الملونة, تم تعديلها لتصبح في شكل مستطيل مقعر قليلا من الوسط.
    تقسيم صالة العرض لجلوس المتفرجين لم يطرأ عليه تغيير يذكر , إلا في نوعية الكنب والكراسي ربما , اسعار التذاكر في متناول اليد(فريني ) للصالة الشعبية(ثم (شلن )و(سبعة قروش) و(ريال ) للدرجات الأخرى صعودا , (الفريني = قرشان ) (الشلن=خمسة قروش) ( الريال= عشرة قروش)
    وهذا الشرح لجيل مابعد الحداثة. .... وحتى حلقة قادمة أمدكم الله بالعافية .


    الحلقة 7-2

    Quote: سينما سينما (2)
    مازلت اذكر عربة عمنا (علي) الكارو المتهالة نوعا ما ذات العجلتين , وهي تدب في شوارع المدينة , حاملة لوحة اعلانات فيلم اليوم , واللوحة عبارة عن لوحان عريضان من الخشب يلتقيان بالاعلى ومنفرجان من اسفل على شكل الحرف( A ) مثبت عليهما من الجانبين أفيشات(ملصق) الفيلم المزمع عرضه ذلك اليوم , وبجانب عمنا ( على ) بمقدمة العربة , يجلس أخونا ( على بشلاوي) بقامته المديدة , ممسكا بيده مكرفونا بدائي الصنع من الصفيح على شكل مخروط , يصيح بصوته الجهوري ( سينما اسلام تقدم لكم ... ) ويقوم باستعراض اسم الفيلم واسماء ابطاله ونوعيته ( حب ..مغامرات..خيانة..الخ) والصبية الصغار يركضون خلف العربة وعمنا (على ) يهددهم بسوطه بين الفينة والاخرى ليبتعدوا . والكبار حين تمر بهم العربة بعضهم ينظر مباشرة الى الاعلانات ويقرأ بصوت عال , والبعض ينظر بطرف عينه , وكأنه غير آبه , والكل يضمر في نفسه قضاء سهرة معتبرة مع احداث الفيلم.
    وحين يأتي المساء , تمتلىْ الساحة الغربية للسينما بالراجلين والدارجين والطبليات , حتى إذا كان الفيلم المعروض فيلما استثنائيا , (مثل فيام عنترة أو ظهور الاسلام ) فإنك لن تجد موضعا لقدم , وتضطر لشراء تذكرتك من السوق السوداء ( والتي كان يحتكرها ابناء غرب القاش) ولايزيد سعر التذكرة كثيرا عن سعر شباك التذاكر , وتصبح مهمة عمنا ( طلب الشامي ) حارس بوابة الشعب غاية في الصعوبة يعاونه (علي بشلاوى) لمنع المتسللين , وكلاهما حباه الله ببسطة في الجسم ونظرات ترسل الرعب في القلوب.
    وكان للنساء نصيب من (ثقافة السينما) ,إذ صار من المعتاد دخول النساء للسينما مع ذويهم , خاصة حينما يكون العرض لأحد الافلام التاريخية مثل فيلم (ظهور الاسلام ..رابحة ..)أو الهندية( من اجل ابنائي..)وكانت السينما ملتقى الاحبة من الشباب والشابات ( نظرة وابتسامة فقط لاغير) وكان ذلك يكفي للسهر ومناجاة النجوم, حتى اسماء المواليد تأثرت بفعل ذلك , حيث ظهرت اسماء مثل( فاتن.. دلال..سهير .. أنور .. منير .. شاهين.. الخ) من اسماء الممثلات والممثلين , كما دخلت مفردات اللهجة المصرية في أحاديث الشباب وبعض الكلمات الانجليزية يرددها شباب غرب القاش ويقلدون صيحات طرزان و حركات بعض ابطال افلام رعاة البقر (جاري كوبر وجون واين والان لاد وفرانك سيناترا... وغيرهم) ويرددون الاغاني الهندية بحركاتها . وزادت مبيعات المجلات الفنية التي كانت تصدر في ذلك الوقت مثل مجلة (الكواكب) واحتلت صور الممثلات والممثلين جدران المنازل بدلا من الصور التي كانت تأتي على صناديق الحلوى .
    باختصار كان انشاء دار للسينما بالمدينة ,( كصخرة ألقيت في بركة ساكنة ) , إذ تغيرت وتيرة الحياة الرتيبة الى حركة متجددة مرتبطة نوعا ما بالعالم من حولها حتى وإن كان ذلك عن طريق الافلام , وكانت تلك بداية لنهضة كسلاوية شملت كافة أوجه الحياة الاجتماعية والثقافية .

ليست هناك تعليقات: