الأربعاء، 9 مارس 2011

بقلم : بابكر عيسى
تاريخ نشر الخبر:الأربعاء 26/01/2011
الجمعة 21-01-2011
الثورة لا تستأذن أحداً، والانتفاضة لا تنتظر تذكرة عبور إلى بر الحرية والكرامة والعزة، وعلى امتداد التاريخ لم نسمع أن انتفاضة ما أو ثورة استأذنت الطاغوت أو الديكتاتور سواء كان شخصاً أو حزباً أو هيئة قبل أن تنطلق لتغسل عار الهوان الذي يتجسد في مصادرة الحرية وفي اعتقال الوطن وفي ملاحقة الشرفاء وتلويث الحقيقة أو تغطية عين الشمس بغربال من الأكاذيب والادعاءات والأباطيل.
الثورة عندما تأتي عاقدة العزم وفاتحة الصدر ومستعدة ومهيأة لقائمة طويلة من التهديدات والتحديات والمخاطر لا تحتاج إلى مفتاح تُزيل به أبواب الظلم، كما أنها لا تحتاج إلى كشافات لتعري بضوئها الفساد وتفضح الجريمة وتحطم بوابات السجون لتطلق سراح الشرفاء الذين هتفوا ضد الظلم في سنوات القهر والفجيعة.
ثورة الياسمين في تونس لم تستأذن أحدا، خرجت مندفعة لتطوي سنوات الهوان والقمع والفساد التي عاشها الشعب التونسي طيلة سنوات عديدة، لم تطلق الأجراس لتعلن للعالم قدومها، خرجت في هدوء وثقة واقتدار، خرجت رجالاً ونساءً وشباباً عاقدة العزم على طي هذه الصفحة السوداء القاتمة من تاريخهم الوطني، ورغم الادعاءات بالانجازات التي حققها النظام خرجت الجماهير مندفعة في عفوية وفي ثقة تهتف بسقوط الظلم حتى أجبرت الطاغية على الهروب ليلاً بحثاً عن الأمان المفقود الذي لم ينعم به شعبه طيلة سنوات حكمه التي تحالف خلالها الفساد مع الجريمة.
لا أحد يستطيع – حزباً كان أو جماعة – أن يدعي أنه المحرك لهذه الانتفاضة العظيمة التي صنعها الشعب التونسي وقادها في دروب الإصرار والتحدي حتى حققت أهدافها، وبعدها ظهرت القوى السياسية كجزء من النسيج الوطني لتعلن مباركتها وولاءها لهذه الثورة التي أزاحت الظلم، ولكن الخوف كل الخوف من النخب الانتهازية التي ستسعى للانقضاض على الثورة ومصادرة انتصارها العظيم وتجيير هذا الانتصار لمصالحها وسرقة التضحيات الجسورة للشارع التونسي.
سرقة الانتصارات ليست جديدة على النخب، فقد عايشنا هذا السطو في العديد من الانتفاضات العربية، فما أن يهدأ الشارع ويهرب الطاغية إلا وتجد هذه النماذج البشرية قد بدّلت جلودها ولبست رداء الثورة وتلونت بطلائها لتوهم الآخرين وتمارس السرقة، امتصاصاً لعرق الشعوب ونهباً لرحيق الانتصار.
ان شعار الحذر واليقظة والاستعداد يجب ان يكون مرفوعاً وشامخاً حتى لا يعطي هذه الفئران البشرية الفرصة لقرض مكتسبات الشعب والعودة به إلى ساحات الفساد وأقبية الظلم ودهاليز الجريمة، إن تمتع النخب بهذه القدرة على التلون وارتداء الأقنعة وتبديل الجلود ليس جديدا وانما هي قدرة قديمة ومكتسبة، وكم من شعوب سرقت انتصاراتها وأعيدت إلى عهود الديكتاتورية والظلم، وكلمتي إلى أهلي في تونس أن يكونوا أكثر حذراً حتى لا تُسرق تضحياتهم الجسورة وحتى لا تتحول دماء الشهداء - الغالية والنفيسة- إلى شيء رخيص، فالثورة انطلقت ويجب ان تتواصل لبناء مجتمع ديمقراطي في بلد يتساوى فيه الجميع وتحكمه سلطة المؤسسات.

ليست هناك تعليقات: